www.ibtisambarakat.com
  • HOME
  • BIO سيرة
  • PUBLICATIONS
    • BALCONY ON THE MOON: Coming of Age in Palestine (BOOK -- FSG-Macmillan 2016)
    • TASTING THE SKY, A Palestinian Childhood (BOOK)
    • "THE LETTER TA' ESCAPES" BOOK التاء المربوطة تطير
    • FREE? Human Rights Amnesty Inernational short-story Anthology
    • WHAT A SONG CAN DO, a short-story collection
    • TEACHING POWERFUL WRITING, 25 short READ -ALOUD STORIES
    • WASAFIRI International short-story-and-poetry magazine
    • BOOK BIRD magazine
    • MODERN POETRY IN TRANSLATION
    • CHILDREN OF ISRAEL, CHILDREN OF PALESTINE short-story Anthology
    • SHATTERED, anthology of short-stories on war
    • WORLD LITERATURE TODAY Magazine
  • WRITE YOUR LIFE!
  • POETRY & SHORTS
    • Poem 1: A POEM MADE OF WATER
    • Poem 2: GENEROUS
    • Poem 3: PALESTINE
    • Poem 4: DIVERSITY
    • Poem 5: STIRRINGS
    • Poem 6: ALPHABETS OF MY HEART
    • Poem 7: CURFEW
    • Poem 8: DREAMING NO ABBREVIATION
    • Poem 9: PEN AND PAPER
    • Poem 10: A POEM MADE OF BREAD (words and voice)
    • Poem 11: SCRIBBLES ON THE POVERTY LINE (English and Arabic)
    • (12) WHEN PALESTINE IS FREE I WILL . . . (English and Arabic)
    • (13) A PEOPLE AND A POET, essay about Mahmoud Darwish
  • إمرأة ولغة
    • تاء التأنيت تفك وثاقها
    • لغة من طين
    • الّلعب في الحارة
    • مرحباً
    • جبينة
  • GALLERY
  • CONTACT -- للمراسلة

! جَدَّتِي العَزيزَة: لا تَحكِي لِي قصَّة جبينة

بقلم: إبتسام بركات
أمريكا – فلسطين

مَن مِنَّا عاشَ طفولَتَهُ في فلسطين ومَع طعمِ الزَّعتر ونوَّار اللوز وأغاني الثورة لم يعرف أيضا قصة جبينة! حَكت لي القصة جدتي وأمي وخالتي. واستمعت بكل ما فِيَّ، وطلبت أن يَحكينها لي من جديد. ثم كَبُرتْ، وَنسيت كلَّ التفاصيل إلاّ ما وَرَدَ في العنوان وهو أن هذه الفتاة كانت بيضاء البشرة كالجبن – فالقصة لا شكَّ نَشَأت في وقتٍ لم تتوفر فيه الجبنة الصفراء والزرقاء والخضراء ومئات انواع الجبن الفرنسي والأمريكي وما غير ذلك من الأجبان الملونة. وصَارَت قصَّة جبينة جزءً من ذاكرتي طعمها طعم الطفولة وطعم الجبنه النابلسية والعكاوية.  

فيما بعد أحببت جداً الأغنية عن قصة جبينة والتي كتبها الأديب الفلسطيني الراحل حسين جميل البرغوثي، وغنتها الفنانة الفلسطينية ذات الصوت الملهم كاميليا جبران مع فرقة صابرين. الأغنية تقتبس روح القصة وأسطراً منها فتوظفها فنياً، ولكن لا تتطرق الى جميع التفاصيل.

وهذا الشهر صادف ان شاهدت على صفحة صديقة على الفيس بوك أولاً،  ثم على صفحة "مبدعون فلسطينيون" على الفيس بوك ثانياً، ثم قرأت على الانترنيت ثالثاً، قصة جبينة من عدة مصادر. أكثر ما لفت انتباهي هو فيلم قصير للصور المتحركة عن جبينة انجزته طالبتان  فلسطينيتان في الجامعة الامريكية - جنين  - كمشروع تخرج. وفيه سَرَدَت الطالبتان بالصوت والصور المتحركة قصة جبينة واهدينها الى الشعب الفلسطيني والى الأجيال القادمة. لمن يريد ان يشاهد هذا الفيلم هذا هو الرابط: هنا.

شاهَدتُ الفيلم المتحرك وفي البداية كنت متحمسة لإنجاز الفنانتين الشابتين. ولكن بعد ثماني دقائق وهي الوقت الذي استغرقة هذا الفيلم، لم اتمكن من كتابة حتى تعليق واحد، لأن ما رأيت في هذا الفيلم صَدَمَني بواقعِ الإنكار والجهل حيال العنصرية عندنا نحن العرب.

فمثلاً في فلسطين نحن شعب قضيتنا الوطينة "من راسها وحتى أساسها" هي قضية صراع ضد العنصرية، فقد أعطى البيض الاوروبيون فلسطين للبيض اليهود على حساب شعب غير أوروبي وغير أبيض – وواصلت دولة اسرائيل عنصريتها تحت غطاء ديني في انهم شعب الله المختار وما الى ذلك فيحق لهم ما لا يحق لغيرهم من الملونين، فحتى اليهود العرب، وغير العرب إذا اتفق اللون، يميَّز ضدهم، بأشكال متفاوتة طبعا، بسبب لونهم.

قصة جبينة، القصة الشعبية،  تتحدث عن إمراة تدعو الله ان يرزقها ابنه بيضاء مثل الجبن – لأن البياض هو أحد أهم معايير الجمال في مجتمعنا التقليدي إن لم يكن الأكثر أهمية على الإطلاق. وتتحقق أمنية المرأة فتُرزَق بفتاة تسميها جبينة. والفيلم المتحرك يرسمها على أن عيونها زرقاء اضافة الى بياضها الأخَّاذ. وتكبر جبينة وذات يوم تأتي صديقتان يُرِدنَ ان يأخذنها الى حفلة عرس في بلدة مجاورة. وبعد عناء تسمح لها عائلتها بالذهاب. وقبل أن تغادر، تُعطيها أمها خاتما سحريا يسمح لها أن تتصل بالأم مباشرة إذا ما طَرَأَ طَارِئٌ. هذا الخاتم يقوم بِعَمَل الهاتف الجوَّال حالياً ولكنَّه أكثر أناقة بِلا شَك!

وتتفق الروايات على أن الأم بعثت "العبدة" أو الخادمة مع جبينة. وركبت جبينة الدَّابة ومشت العبدة على قدميها خلف الدَّابة كما هو معهود في القصص الشعبية عن معاملة مَن هُم أقل مكانةً اجتماعية او اقتصادية. وكانت "العبدة" تُحاول ان تركب حتى ترتاح من المشي بعض الشئ. ولكن جبينة كانت لا تسمح لها بذلك، وتتصل بأمها مباشرة لمنع مشاركة السفر المريح مع الخادمة! 

واضح هنا وضوح "حبة سوداء" على بياض الجبن أنَّ قلب جبينة ليس كبشرتها وإلاَّ لتقاسمت بعض الراحة مع "عبدتها". ولأن الشئ بالشئ يذكر، وربما أيضا الشئ بالشئ يُنكَر، فحتَّى تعبير بياض القلب كمديح هو تعبير عنصري سائد، فالقلب لا بياض حقيقي فيه!

وتَأتي اللحظة الخطرة في القصة، وتضيع جبينة الخاتم الذي يصلها بامها. وهنا تستغل الخادمة هذه التطور وتحتل الموقع المريح على الدابة ثم تدهن وجهها بلون ابيض وتضع "سخاماً" اسوداً على وجه جبينة. وتختلف المواقع الآن فتنطلق الفتاتان تحت قيادة "العبدة" الى حيث بالطبع سيكون هنالك أمير ما (أو ابنه) يقع في غرام الفتاة البيضاء بغض النظر عن أيه اعتبارات اخرى حتى ولو كان لونها زائفا. وهكذا تصير جبينة هي الخادمة!

ثم تدور تفاصيل القصة حول جبينة وهي تعمل وتشقى وتبعث لأهلها مراسيلاً عن حالها مع الطيور فوق الجبال العالية والوحوش في البراري. إلى أن تُخبِر جبينة الامير بالحقيقة فما يكون منه إلاّ أن يأمر بإحراق "العبدة" – او سجنها، او قتلها في روايات اخرى -- وطبعا يتزوج من جبينة. وتوته توته توته خلصت الحدوثة. . .  لكني اراها تبدأ هنا.

هذه القصة الشعبية التي سمعناها جميعا في طفولتنا وتريد الفنَّانتان الشابتان من الجامعة الأمريكية في جنين تقديمها الى الاجيال القادمة كإرث جميل – ألا تستحق بعض التوقف حَولَ العنصرية؟

 أليس واضحا أن قصة جبينة تُعَلِّم أطفالَنا انَّ اللون الأبيض هُو الأفضل؟ وأن البنت البيضاء البشرة هي الأكثر حظوة وانها هدية من الله؟ وأن العبودية لا يجب ان يثور عليها العبيد؟ وأن الانسان الذي يحتال من أجل حريته يجب أن يُسجَن أو يُحرَق؟ وخصوصاً أنه يعيش تحت سيطرة مَن لا وعيَ لهم بإنسانية من هو أدنى منهم طبقة أو شأناً؟

إذا كنا نوافق حقاً مع قصة جبينة ونحتفل بالقيم الَّتي تُكَرِّسُها هذه القصة، فما قيمة فهمنا الحقيقي لمطالبتنا بالحرية من الاحتلال وعنصرية اسرائيل؟

أقترح أن نُعَلِّم جبينة في المدارس أو أن نَسرد هذه القصة لأطفالنا كمثالٍ على موروث عنصري فيه نَرى أين كُنَّا وأينَ صِرنا – وأن الحضارة والتطور يشتملا على مُراجعة الموروث والحفاظ على ما هو جَيِّد وَتَرك ما هُوَ غير جيد، فَنَشرحَ لهم كَيفَ مَارَسنا في الماضي ما لا يَصِحُّ ممارسَتُه الآن، حِرصَاً منَّا على إنسانيتنا وإنسانية غيرنا.

كُنَّا نُمارِسُ وأد البنات مثلاً والآن لا نبعث بقصص عن ذاك الظلم كرسائل للأجيال القادمة وعلى انها تراث جميل، ولكن، صِدقاً، نتحدث عن ذلك الظلم وكأنه جهل قبيح.

لا شكَّ كُنَّا نَستَعبِد النَّاس ونَتَّجِر بهم في أسواقٍ العبيد، وإلاَّ فَمِن أينَ لأم جبينة بِعَبدَتِها؟ ولماذا إذن قصة من هذا النوع تعبُر إلى المستقبل مِن غير أي تعليق يستوقفها؟

يُحَيِّرنُي بالتحديد كيف تَمُر قصة من هذا النوع في مؤسسة تعليمية جامعية كالجامعة الامريكية في جنين وَأمام لجنة من أهل العلم وعلى انها مشروع تَخَرُّج! لا ألوم الطالبتين ولا المعلمين ولا ثقافتنا فالكل لا شك لهم أعذارهم ان استوضحنا الأمر. ولكن وضعَنا حيال العنصرية خطر ويستدعي الاهتمام. فنحن نُقتَل باسم العنصرية كل يوم، وهي مرض فكري أودى بحياة ملايين البشر في كافة أنحاء العالم.

المسؤولية جماعية والوعي بالحرية هو بطاقة عبورنا الحقيقية الى مستقبل حُرِّ نشتهيه لكن يحيِّرنا طريق الوصول اليه. وأظن أن ثقافة الحُرِّية هي شَرطُ ضَروري لِتحقيق الحُرية.


جبينة قصَّة تُطبَّع فينا أن نُمَيِّزَ ضد العبيد والخدم وأن لا نحترم لوننا الذي هو لون الطين والأرض والنخيل الشامخ – فنحن قبل كل شئ آسيويون وأفارقة – ولكن نريد ان نكون بلون الجبنه، أو لِنَقُل بلون الجُبن والخنوع إذا لم نتَخلَّص من عُنصريتنا!

أخُطُّ كلماتي هذه بكل احترام لثقافتنا ولكل من يحبون قصة "جبينة" لكني أرى أن بعض ما في ثقافتنا سامٌ لصحة إنسانيتنا وأحلامنا – فواضح أنَّ مَنْ يَقرأ أو يَستمع للقصة يَتَعاطَف مع جبينة – وإن كانت على خُلُقٍ سَئِّ في أن لا يَرِقَّ قلبُها لِمعَاناةِ خادمتها. القارئ الفلسطيني بشكل عام لا يتعاطف مع "العبدة" وإلا لَما قرأنا هذه القصة لعشرات أو مئات السنين وسمعناها وردَّدناها من غير اعتراضات.

أعتقد آملة أننا بإغلاق مَعاقِل العنصرية في عقولنا وإطلاق الحرية لوعينا، سَيصيرعندنا "عين" في أن نواجه عنصرية الآخرين وسننجح بشكل لا ينجح فيه "من ينهى عن خلق ويأتي بمثله.

جدتي: بامكانك أن تحكي لي قصة جبينة كمثال على قصة عنصرية.
وشكراً لكل من يساهم في إنهاء العنصرية في أي مكان في العالم.

- من نصوص إمرأة ولغة 2010